hit counter script
شريط الأحداث

ليبانون فايلز - مقالات مختارة مقالات مختارة - سمير صالحة - أساس ميديا

قبرص: من وحدة الساحات إلى ربط الجبهات

الخميس ٢٧ حزيران ٢٠٢٤ - 06:16

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

السيناريو الأصعب أو المستحيل الذي قد يحلم به البعض في لبنان وإيران هو احتمال حدوث مواجهة بين “الحزب” والقبارصة اليونان بسبب إسرائيل، وبقاء العواصم الغربية على الحياد، وهي ترى ترسانة الحزب تستهدف سواحل قبرص الجنوبية وتضع خطط ومشاريع الطاقة والممرّات التجارية في شرق المتوسط تحت رحمتها.

حرّك التصعيد بين إسرائيل و”الحزب” والتلويح بتوسيع الجبهات في شرق المتوسط عبر نقلها إلى قبرص اليونانية المتّهمة بالتعاون مع تل أبيب من قبل حلفاء إيران، ملفّ وضع الجزيرة المقسّمة منذ عقود إلى شمالية تركيّة وجنوبية يونانية من جديد.

إنّ انتقال العمليات العسكرية إلى جنوب الجزيرة بعد التهديد الذي وجّهه الأمين العام لـ “الحزب” حسن نصرالله لقبرص، بجعْلها جزءاً من المعركة في حال سمحت لإسرائيل باستخدام مطارات وقواعد فوق أراضيها في أيّ حربٍ شاملة، يعني الكثير من العواصم التي بنت رزمة حسابات ومصالح استراتيجية هناك، انطلاقاً من قضايا الطاقة وموضع شرق المتوسط والتوازنات التركية اليونانية والتركية الأوروبية، في المكان الذي يعدّ الجغرافيا الأقرب إلى اليابسة التركية.

ما هو موقف أنقرة؟

تحتاج مواجهة عسكرية تفرضها إسرائيل ومجموعات “الحزب” على القبارصة اليونان إلى الإجابة على سؤال: كيف ستتصرّف أنقرة والعديد من العواصم الغربية أمام مشهد من هذا النوع؟

لا تتعلّق المسألة فقط بقدرات “الحزب” العسكرية واحتمال وصول صواريخه ومسيّراته المقدّمة من إيران إلى جنوب الجزيرة، أو فرص الحزب في القتال على أكثر من جبهة خارج الأراضي اللبنانية، تتقدّم فيها مصالح إيران على مصالح لبنان. بل هي مسألة سيناريوهات اليوم التالي التي ستُطرح وتُناقش بين العواصم الغربية والإقليمية ويتمّ تحريك الرماد فيها ضدّ مصالح تركيا بإرادة خارجية في ملفّ حسّاس ودقيق يعنيها مباشرة.

سيناريو المواجهة بين “الحزب” والقبارصة لن يبقي أثينا وأنقرة وواشنطن وباريس على الحياد طبعاً. والهدف لن يكون البحث عن نشر قوات سلام دولية في شرق المتوسط بين لبنان وقبرص، بقدر ما سيكون طلب قبارصة الجزيرة في الجنوب الدعم الغربي لهم للدفاع عن أنفسهم، وهو ما سيعني تغيير الكثير من المعادلات والتوازنات الشرق الأوسطيّة والشرق المتوسطيّة التي ستقلق أنقرة شئنا أم أبينا.

أعلنت واشنطن عن وقوفها العلني إلى جانب تل أبيب في الحرب على غزة. هل تفعل ذلك على جبهة جنوب لبنان أيضاً؟ الأهمّ هو أنّها لن تتردّد في تقديم العون للقبارصة اليونان، وقد تكون فرصة استراتيجية تريدها وتبحث عنها منذ سنوات لموازنة النفوذ الروسي هناك.

تصعيد “الحزب” ضدّ القبارصة اليونان مسألة قد تُفرح أنقرة وقبارصة الشمال في الجزيرة. لكنّ تفاعلات المشهد وارتداداته العسكرية والأمنيّة قد تذهب باتّجاه آخر يقلق الجانبين.

ترصد أنقرة عن قرب تطوّرات ما يدور على جبهة جنوب لبنان واحتمال انتقال التدهور إلى ساحة إقليمية تعنيها مباشرة. انفجار الوضع في قبرص يحمل معه أكثر من سيناريو بأكثر من اتجاه بالنسبة لتركيا وفرص تحريك ملفّ الأزمة القبرصية المجمّد منذ عقود. لن تسمح أن يتشكّل المشهد هناك على حساب مصالحها ونفوذها حتى لو اتّسعت رقعة المواجهات ودخلت العواصم الغربية على الخطّ.

هل يراهن “الحزب” على قدرات الحوثيين كي يستهدفوا قبرص بصواريخ إيران البعيدة المدى، وبذلك لا تقع المواجهة المباشرة بينه وبين قبرص اليونانية؟ وهل استهداف الحوثي لخمس سفن جديدة في عرض المتوسّط مؤشّر بهذا الاتّجاه؟ هل يغامر مثلّث إيران والحوثي و”الحزب” على هذا النحو وتحت غطاء الدفاع عن غزة؟ هل تسمح العواصم الإقليمية الفاعلة بنقل الجبهات نحو بقعة جغرافية في غاية الحساسيّة وقابلة للانفجار وإشعال المنطقة بأكملها؟ أم تتوحّد العواصم الإقليمية في مواجهة سيناريو كارثي من هذا النوع يخدم مصالح طهران قبل غيرها؟

“شيك” أميركي دون رصيد

“شيك” أميركي على بياض لإسرائيل في غزة. هل يتحوّل إلى شيك أميركي بدون رصيد في قبرص أمام الخطوط الحمر التركية في ملفّ الجزيرة؟ أم تجد نفسها “قوات حفظ السلام” الأممية المنتشرة على خطّ الحدود اللبنانية – الإسرائيلية والخطّ الأخضر الفاصل بين شقّي قبرص، وسط مأزق مغادرة المكانين وانتظار لحظة الانفجار الإقليمي الكبير؟

قرار واشنطن المبكر تحريك حاملة الطائرات “يو إس إس دوايت دي أيزنهاور” إلى شرق المتوسط، لا يهدف لقطع الطريق على سيناريو غير وارد، مثل قيام قوات “الحزب” البحرية بإنزال كبير على سواحل الجزيرة لاحتلالها بقرار إيراني يلهب ساحة شرق المتوسّط، بل يتعلّق بموقف الإدارة الأميركية الذي لا يتغيّر، وهو مساعدة تل أبيب أينما تريد وتحتاج. حسابات واشنطن ينبغي أن تكون هنا تركيّة قبل أن تكون إيرانية أو إسرائيلية.

هدّد زعيم “الحزب” حسن نصر الله في خطاب له خلال احتفال تأبيني لأحد قتلى الحزب بتوسيع رقعة المواجهة ونقلها إلى قبرص الجنوبية، وبالتالي شرق المتوسط، إذا سمحت الأخيرة لإسرائيل باستخدام القواعد الجوّية أو غيرها من المنشآت العسكرية الموجودة عندها لحظة اندلاع الحرب مع تل أبيب. لم نعرف ما إذا كان يقصد دخول القبارصة اليونان الحرب إلى جانب إسرائيل، أو يعدّ لتحميل واشنطن مسؤولية استهداف مواقع قوات الجيش اللبناني من قبل تل أبيب عندما تشعر الأخيرة بأنّها قد تشكّل خطراً عليها عند وقوع المواجهة بينها وبين “الحزب”. هذا يعني في أبسط الأحوال أنّ حركة الملاحة بأكملها في شرق المتوسط ستكون عرضة للخطر، فماذا تريد طهران أكثر من ذلك لتمرير رسائل أمنيّة وعسكرية وسياسية لدول المنطقة؟

ريد طهران الربط بين البحار القريبة والبعيدة عنها في الإقليم لتحريك أكثر من ملفّ وسيناريو، مستفيدةً ممّا يدور في قطاع غزة. عندها تجربة سابقة في عام 2006 مع استهداف الطرّاد الإسرائيلي “هانيت” عبر حليفها في لبنان. وهي زوّدت “الحزب” بصواريخ متوسّطة المدى قادرة على حمل المتفجّرات المؤثّرة. وبيدها، كما تقول هي، ما يؤكّد تورّط القبارصة اليونان في عرقلة طريق مسيّراتها نحو العمق الإسرائيلي في منتصف نيسان المنصرم، وتسهيل استهداف المقاتلات البريطانية المنطلقة من قواعدها في الجزيرة مواقع حوثية، وسعي القبارصة اليونان إلى امتلاك أنظمة “القبّة الحديدية” الإسرائيلية في إطار التعاون العسكري الواسع بين الطرفين، وحجم التنسيق العسكري القائم في ضوء المناورات الحربية المشتركة التي نفّذت في الأعوام الأخيرة.

ماذا سيفعل العرب والأتراك؟

لو كانت نيقوسيا غير متورّطة في الوقوف إلى جانب إسرائيل وجاءت تصريحات الرئيس نيكوس كريستودوليدس في مكانها، لما تحرّكت القيادات السياسية والعسكرية الغربية على هذا النحو للدفاع عنها، ولما أعلنت المجموعة الأوروبية أنّ “تهديد قبرص اليونانية هو تهديد لنا”.

النتائج التي سيعلنها الاتحاد الأوروبي في أعقاب اجتماع وزراء خارجية الاتحاد لبحث سبل وخيارات دعم نيقوسيا تعني أنقرة، لأنّ ذلك سيعني فرض مشهد أمنيّ وعسكري وسياسي جديد على لعبة التوازنات الحالية القائمة في الجزيرة. يريد البعض في الغرب أن يربط بين الجبهات في غزة وجنوب لبنان وقبرص، وإيصالها إلى اليمن مع الحوثيين هدف إسرائيلي أميركي إيراني بالدرجة الأولى. كيف ستتعامل دول المنطقة العربية وتركيا مع هذا الوضع؟

لن تنحاز تركيا إلى الجانب الإيراني في مواجهة من هذا النوع تقع في شرق المتوسّط. ولن يقرّب التوتّر الحاصل بين طهران وحليفها “الحزب” من جهة والقبارصة اليونان من جهة أخرى، بين اللاعبين التركي والإيراني. لكنّ ما تنتظره تركيا من واشنطن والعواصم الغربية هو الالتزام بقراءة إقليمية جديدة للكثير من الملفّات التي تعنيها وعلى رأسها مسار الوضع في شرق الفرات وتفعيل التسوية في ملفّ الجزيرة عند الخروج من هذه الورطة.

حديث الموفد الأميركي آموس هوكستين عن أنّ الوسيطين المصري والقطري يعملان على إقناع حماس بالقبول بالعرض الأميركي الجديد، لن يكفي ليتحوّل إلى مفتاح تهدئة. نتنياهو ما زال يتمسّك بلعب ورقة جنوب لبنان ورفدها بتحريك جبهة قبرص. تحرّك أميركا سفنها ويعلن الاتحاد الأوروبي أنّه إلى جانب القبارصة اليونان في المواجهة المحتملة مع “الحزب”. هل يبحث هوكستين فعلاً نزع فتيل الانفجار الإقليمي؟

  • شارك الخبر